التفكير العلمي والتفكير النقدي: نحو جيل واعٍ ومنهجي

التفكير العلمي والتفكير النقدي: نحو جيل واعٍ ومنهجي

منْ منّا لم يسمع مقولة ديكارت المشهورة: (أنا أفكر إذن أنا موجود) فالفكر كما يقال: (بحرٌ لؤلؤه الحكمة، بل هو إرادة حرة، والفكر الذي يلتزم ينقلب إلى عمل، والعمل إرادة تحققت) . فالفكر والتفكير، هما الطريق إلى النجاح والتفوق، والوسيلة التي نحتاجها لنعرف كل شيء يدور من حولنا، وكما يقول: كونفوشيوس: لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا بعد أن يتعلم كيف يفكر. ولكن هل تسألنا كيف يتأتى هذا التفكير؟ وما هي أنواعه وطرقه؟

في هذا العصر الذي تتسارع فيه المعلومات وتتشابك فيه الآراء، لم يعد مجرد نقل المعرفة كافيًا لتربية أجيال واعية، بل أصبح من الضروري تعزيز مهارات التفكير العليا، وعلى رأسها التفكير النقدي والتفكير العلمي، خصوصًا لدى فئة اليافعين. فهما أداتان أساسيتان لفهم الواقع، وتجاوز السطحية، واتخاذ القرارات السليمة.

 بعد هذا الطرح لا بد من معرفة الفرق بينهما، التفكير العلمي والتفكير النقدي؟ وهنا قد يتساءل القارئ أو الباحث مجددا: وهل يمكن أن ينفصل أحدهما عن الآخر؟

حسب المعطيات والدراسات الكثيرة التي تناولت هذان النمطان المعرفيان المترابطان تبين أن التفكير العلمي يعتمد على خطوات منهجية تبدأ بالملاحظة، ثم طرح الفرضيات، فالتجريب، ثم الاستنتاج. أما التفكير النقدي فهو مهارة عقلية تهدف إلى فحص الحجج والأفكار والمعلومات، وتحليلها وتقييمها قبل تبنيها أو رفضها.

أي أن التفكير العلمي يمكن اعتباره تجسيدًا عمليًا للتفكير النقدي، خاصة عند تطبيقه على الظواهر الطبيعية. أما التفكير النقدي، فهو أوسع، يشمل التقييم الأخلاقي، والتحليلات الاجتماعية، والنقد الأدبي، وغيرها.

ونعود ونسأل لماذا يحتاج اليافع إلى التفكير النقدي؟

ولماذا نولي أهمية خاصة لتعليم التفكير النقدي لليافعين؟

فالمطّلع والمتابع لهذه الفئة المستهدفة والمهمة في هذه الحياة، يجد أن السبب في ذلك: أن اليافع يعيش مرحلة تَشكُّل الهوية الفكرية والعاطفية، ويواجه كمًّا هائلًا من المعلومات عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ما يجعله عرضة للتضليل والخداع والتطرف الفكري إذا لم يكن مُحصنًا بأدوات نقدية. فالتفكير النقدي يمنح اليافعين قدرة على التحقق من صحة الأخبار، ومساءلة السلطات الفكرية، وتكوين رأي مستقل، بعيدًا عن الانقياد الجماعي أو التبعية العمياء. وكما يقول بيل هوكس: " يتطلب التفكير النقدي منا استخدام خيالنا، ورؤية الأشياء من وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظرنا، وتصور العواقب المحتملة لموقفنا"

ولكن المهم بعد ما أوردنا أعلاه هو كيف نُنمّي التفكير النقدي عند اليافعين؟

يمكن اعتماد مجموعة من الأساليب التربوية والمواقف التفاعلية، نذكر منها:

1. طرح الأسئلة بدل إعطاء الإجابات. يمكن أن نطرح سؤالا للطالب، مثالًا:

"ما رأيك في هذه الفكرة؟ هل يمكن أن تكون هناك وجهة نظر مغايرة؟ ولماذا؟"

فهذا النمط من الأسئلة يُخرج الطالب من دور المتلقي إلى دور المفكر النشط، ويحثه على توليد احتمالات متعددة. أفلاطون يقول: (لو لم يُشكِّك السجين في معتقداته بشأن الظلال على الجدار، لما اكتشف الحقيقة أبدًا. ولذلك، يعتقد أفلاطون أن التفكير النقدي أساسي في التعليم . فعندما تُحاول إخبار الآخرين بالحقيقة، لن يقبلوها دائمًا، لأن الناس غالبًا ما يكتفون بجهلهم).

2. تحليل النصوص والأفكار

مثال تطبيقي على ذلك:

قراءة مقال يدعي أن "استخدام الهاتف الذكي يزيد من الذكاء"، ثم يُطلب من اليافع: تحديد الفرضية، البحث عن مصدر الدراسة، ملاحظة التحيّزات الممكنة، اقتراح تفسير مضاد.

فهذا التمرين يدفع اليافع للتمييز بين الرأي والعلم، ويُنمّي مهارة التحقق.

3. مناظرات بين اليافعين، فهنا يتم تقديم سؤال تحفيزي:

هل ترى أن الألعاب الإلكترونية تُفسد عقل الطفل أم تطوره؟ دافع عن رأيك بأدلة.

بهذا السؤال يمكن للمناظرة أن تمنح اليافع فرصة لتقديم حجج مرتبة، وتُعلّمه الإصغاء للرأي المخالف، وتحمل مسؤولية فكرية أمام زملائه.

ولكن كيف يمكن للأسرة والمعلم أن يساهما في هذه المهمة؟

وما الدور الذي يجب أن يلعبه المربي في تنمية التفكير النقدي لدى الأبناء؟

فذلك لا بد أن يكون من تشجيع النقاشات المفتوحة، وتقبُّل الاختلاف في الرأي، والابتعاد عن الإجابات الجاهزة والسلطوية، وتقديم مصادر متنوعة للمعلومة.

ذلك أن الأسرة والمعلم يشكلان البيئة الأولى لتعلم مهارات التفكير، وإذا اتسمت هذه البيئة بالانغلاق أو القمع، سيُقمع معها الحس النقدي.

وأخيرًا أقول بعد ما قدمناه إن التفكير النقدي والتفكير العلمي هما من ضرورات الحياة المعاصرة، وليس رفاهًا فكريًا. وحين نُعلّم اليافع كيف يشكّ، ويحلّل، ويُقيّم، فإننا لا نُنمّي عقله فقط، بل نبني مواطنًا حرًا، قادرًا على مقاومة التضليل، وصُنع قراراته بوعي ومسؤولية.

 

قائمة المصادر والمراجع:

1- العتوم، عدنان وآخرون. (2019). علم النفس التربوي. دار المسيرة، عمان – الأردن.

2- Education and Plato’s Allegory of the Cave

Anam Lodhi, Jun 21, 2017

https://medium.com/indian-thoughts/education-and-platos-allegory-of-the-cave-bf7471260c50

3- تنمية مهارات التفكير الناقد وأثرها على حل المشكلة لدى عينة من شباب الخريجين، مجلة البحث العلمي في التربية، جامعة عين شمس - كلية البنات للآداب والعلوم والتربية، علي، سلوى محمد (مؤلف) ، المجلد/العدد: ع14, ج1، مصر.

4- زيدان، كايد عبد الحق (2014)، تنمية التفكير الناقد. دار الشروق، عمّان.

5- الخليفة، أحمد علي (2006)، التفكير: أنواعه ومعاييرُه وسبل تدريسه وتعلمه، دار الفكر العربي.

 

كاتبة المقال: مها محمد علي شرف

a48887b5-1d40-4609-8272-2b3d3bedbeda.pdf